العيون مرآة الروح

العيون مراة الروح flower

يطلق على الاحترام المتبادل في اللقاءات الدولية للشباب برنامج (IOU Respect). كانت شارلوت برادي قد شاركت العام الماضي في فاعليات هذا البرنامج في تونس.

إن روح الإنسان كما يصفها الفيلسوف ارنست ماخ " محبوسة في مكمنها داخل الرأس و تتطلع إلى الطبيعة من خلال نافذتيها ألا وهما العينين."

رفع الغشاوة عن أعين الشباب- هذه هي الفكرة وراء برنامج التبادل الدولي (IOU Respect) – خلق ثقافة سلام – ذلك البرنامج الذي يُجمع له شباب من سن 20 إلى 25 سنة بانتظام منذ اللقاء الأول للشباب عام 2004 في مدينة داخاو ليتناقشوا سوياً أو ليقوموا بمشروعات مشتركة. و يقف وراء هذا البرنامج مؤسسة هوستلينج الدوليةHostelling International وهي الاتحاد العالمي لبيوت الشباب التي يتبعها روابط بيوت الشباب القومية مثل بيوت الشباب الألمانية DJH . إن أهداف لقاءات برنامج (IOU Respect) هو تعزيز فهم احتياجات الآخرين و الاحترام المتبادل من أجل وضع أساس مشترك لتحقيق السلام .

كشف خبايا النفس

في صيف 2007 أُتيحت لي فرصة الاشتراك في اللقاء الدولي الثالث للشباب (IOU Respect) ولكن السؤال هو : ما الذي جعلني استهل استعراضي لتجربتي الشخصية بهذه الطريقة الغريبة؛ في أن أقتبس قول أحد الفلاسفة؟ لهذا يوجد سبب وجيه والذي يبين أيضاً كيف أن لقاءات الشباب قد غيرتني من الداخل؛ نعم فلقد ارتقت بشخصيتي؛ إذ أنني حتى وقت قريب كنت أجد صعوبة في أن أظل أنظر للناس في أعينهم مباشرة لفترة طويلة.

فلقد كنت أجد في ذلك أمراً غير مقبول، ليس فقط من الغرباء عني بل أيضاً من بعض الناس وإن كانوا ليسوا قريبين تماماً مني ولا أعرفهم جيداً -و لكنهم أيضاً لم يكونوا بالغرباء عني؛ فقد كنت أجد هذا مع أشخاص أعرفهم جيداً أو مع أصدقاء جدد. ربما يرجع ذلك لأنني كنت أخشى أن يتمكن هؤلاء الناس من أن تطَّلع من خلال عيناي إلى ما أخفيه في نفسي وربما لا أريد أن أفصح عنه لأحد.

المهم: ففي آخر يوم في تونس جعلونا- نحن المشاركين في البرنامج -أن نقف في صفين طويلين، بحيث أن يقف كل اثنان أمام بعضهما البعض مباشرة؛ ولم يكن علينا سوى أن ننظر في عيون الواقف أمامنا إلى أن تُعطى لنا إشارة معينة يتعين علينا بعدها أن ينضم كل واحد منا إلى الشخص التالي في الصف.

أخذت أفكر مع نفسي وقلت: " يا إلهي! إن النظر مباشرة في أعين الناس دون إبعاد نظري عنهم سيكون أمراً صعبا حقاًً." إنني لم أكن أتوقع كيف كان ذلك الأمر سهلاً عندما نظرت في أعين أُناس لم أعرفهم سوى لمدة لا تزيد عن أسبوعين والذين أعدُّهم الآن- بالرغم من ذلك- أصدقاءً لي؛ لقد نظرت في هذه العيون المختلفة وحاولت أن أحفظ في ذاكرتي كل زوج من العيون؛ فكل زوج منها كان لشخصية تعلمت كيف أحترمها وأقدرها في فترة إقامتي في تونس بغض النظر عن لون العين أو البشرة أو البلد القادم منها.

أسرة دولية

منذ أسبوعين كنا جميعاً قادمين من دول مختلفة ( مصر وألمانيا وفرنسا والمغرب وتونس والولايات المتحدة الأمريكية ) ولدينا رؤى مختلفة وأراء مسبقة عن الدول الأخرى، إلا أننا في تلك الأثناء قد مررنا سوياً بالكثير من التجارب وقضينا وقتاً على الشاطئ سوياً كما قمنا بالسباحة معاً في البحر؛ و كذلك احتدت مناقشاتنا معًا في بعض الأحيان وتعرفنا على بعضنا البعض بكل ما لدينا من خلفيات ثقافية؛ فنحن لم نقم فقط برحلات جماعية و زيارات لبعض المعالم السياحية الشهيرة في تونس ولكننا أصبحنا أسرة كبيرة – كما لاحظ البعض منَّا في نهاية البرنامج – أسرة تراجعت فيها كل الاختلافات إلى الوراء و اجتمعت على قيم مثل السلام والتسامح وترغب في أن تتسع وتكبر تحت شعار برنامج (IOU Respect) .

وكما هو الحال داخل أي أسرة عادية كانت تحدث داخل أسرتنا الدولية أيضاً بعض المشادات من آن لآخر، مثلاً عندما يقوم دائماً نفس الشخص كل مرة بأعمال المطبخ أو أن يتأخر أحدنا وحده ليلاً خارج مكان إقامتنا؛ كما كنا نمر بمواقف صعبة نظراً للاختلافات الثقافية أو حتى بسبب الجهل بأشياء مثل ما تتعلق بالتصرف اللائق للحبيبين في الأماكن العامة؛ وفي كل هذه المواقف استطعت أن أعاين بنفسي كيف كانت المشكلات تُحل بمجرد مناقشتها؛ فالحوار والصراحة والإنصات الفعَّال هما سبيل التسامح و التفاهم.
ربما لهذا السبب استطعت في آخر يوم مواجهة كل فرد من المشاركين الآخرين بنظرات واثقة وبدون التحفظات السابقة؛ نعم كان من السهل عليّ حقاً أن أدع الآخرين ينظروا في عينيّ وأن أنظر أنا الأخرى في أعينهم.

الكلام بلغة العيون

إلا أن ما قد لاقيته في هذا الأمر كان متبايناً؛ فبعض العيون كانت هادئة جداً وتشع منها الثقة والتفاؤل وهناك عيون كانت قلقة وغير مستقرة وأخرى كانت تملؤها دموع الفراق الذي كُنا بالفعل نترقبه متوجسين؛ كما لفت نظري ربما لأول مرة لدى بعض العيون كيف كانت رموشها مرفوعة لأعلى على نحو ساحر أو كيف كانت ألوانها أخاذة؛ ففي العيون المتفائلة استطعت أن أجد بنفسي الراحة والثقة التي وددت لو أنقلها للأخرى القلقة والعيون الحزينة أردت أن أواسيها، إلا أنني فكرت:" أريد أن أقول بعيناي أنني أحترمك كإنسان وأنك تستطيع أن تثق في و أنني أصبحت صديقةً لك."

إنني ممتنة جداً لهذه التجربة والفرصة في حد ذاتها في أن أتمكن من المشاركة في مشروع فريد كهذا؛ وبعد ألمانيا والولايات المتحدة وتونس ستصبح مصر هذا العام هي الدولة المضيفة للبرنامج، ففي مدينة الإسماعيلية سيقام برنامج (IOU Respect) في الصيف للمرة الرابعة وأتمنى أن يتمكن العديد من البالغين الشباب من أن يتعلموا من خلال التجربة أن الأمر لا يتعلق بالأشياء الظاهرية كلون البشرة والأصل والخلفيات الدينية و لكنه يتعلق بالروح التي تسكن الإنسان و التي تستحق منا كل الاحترام.